موضوع: إعتدال النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثاء أغسطس 16, 2011 6:08 pm
قال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة )) من هذه الآية الكريمة استفاد العلماء وجوب الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يحصل تمام الإقتداء به عليه والسلام إلا بدراسة سيرته وأحواله وأخباره صلى الله عليه وسلم
وانطلاقاً من هذا المبدأ ارتأى العبد الفقير أن يتعرض لجانب مهم من جوانب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو (( الإعتدال ))
تعريف الإعتدال لغةً :- الإعتدال هو اسم على وزن (انفعال ) من المصدر ( عدل ) والألف والتاء والألف الثانية زائدة والعدل له معاني في اللغة قال ابن منظور في لسان العرب (9/83) طبعة دار إحياء التراث العربي (( العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم )) قال مقيده : يعني أنه لا ميل فيه لجانب من الجوانب فلا افراط ولا تفريط
الإعتدال والوسطية :- قال تعالى (( وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )) ( البقرة :143) قال ابن جرير الطبري في تفسيره ( 2/ طبعة دار الكتب العلمية (( الوسط في كلام العرب الخيار العدول )) قال مقيده : وحيث ما نتكلم عن الإعتدال فإننا نتكلم عن الوسطية فهما مترادفان وهما خير الأمور إعتدال النبي صلى الله عليه وسلم وأثره في فهم القرآن:-
عند دراستنا لاعتدال النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نفهم الوسطية المقصودة في الآية السابقة فالوسطية ليست معنىً مجرداً بل سلوك ينبغي المضي فيه والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن هشام قال أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن ؟ (( وإنك لعلى خلق العظيم )) ( القلم :4) نماذج من اعتدال النبي صلى الله عليه وسلم :- اعتداله صلى الله عليه وسلم في أمر المسيح عليه السلام :- نبدأ أولاً بذكر أنموذج عن الإعتدال في مسائل الإعتقاد ، ومسألة من المسائل التي كانت مثاراً للجدل بين المسلمين وأتباع الأديان المحرفة * يؤمن المسلمون ان عيسى ابن مريم رسول من عند الله وكلمته ألقاها إلى مريم ولد من غير أب قال تعالى (( ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل )) الآية ( المائدة :75) وتفصيل حادثة ولادة عيسى ابن مريم في سورة مريم قال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً {16} فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباًفَأَرْسَلْنَ ا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً {17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً {19} قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21} فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً {22} فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً {23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26})) فسلم المسلمون بهذا المعتقد السليم من جفاء اليهود الذين جعلوا من عيسى ابن مريم ( ابن زنا ) وحاشاه ومن غلو النصارى الذين جعلوه ابن الله أو هو الله _ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً _ قال تعالى (( لقد كفر الذين قالوا إن المسيح ابن مريم )) ( المائدة : 72 ) وقال تعالى (( ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول كن فيكون )) ( مريم : 35) اعتدال النبي صلى الله عليه وسلم في عبادته:- لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فتعاتبه عائشة في ذلك قائلةً (( يا رسول الله ، تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً )) رواه البخاري في كتاب التهجد من صحيحه ( باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم ) ورواه مسلم في كتاب المنافقين ( باب إكثار الأعمال والإجتهاد في العبادة ) من حديث المغيرة بن شعبة ومع ذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم مبالغاً في الزهد والتقشف إلى الرهبانية أو تكليف النفس بما لا تطيق بل إنه نهى عن ذلك كما في حديث الثلاثة نفر الذين سالوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في السر فكأنهم تقالوها فقالوا : أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر ، وقال الثاني : أما أنا فأقوم ولا أرقد ، وقال الثالث: وأما انا فلا أتزوج النساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ قالوا : نعم فقال : لكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) رواه البخاري ومسلم كلاهما في كتاب النكاح من صحيحيهما قال مقيده : في هذه التشريعات العظيمة ما يجعل العاقل الذي يحترم عقله يقف إجلالاً وإكباراً أمام الحكمة الإلهية ،فإن فيها مراعاةً لما جبلت عليه النفوس البشرية من حب المباحات وما يحتاجه المرء من راحة لتأدية العبادات بنشاط ، كما فيها دفعٌ للملل الذي قد يتسلل للنفس وإغلاقٌ لأبواب كثيرة يدخل منها الشيطان إلى نفوس الرهبان . اعتداله صلى الله عليه وسلم في مسألة التكسب :- لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لرب الأسرة الجاد في طلب الرزق الحلال ، فلم يكن منقطعاً للعبادة متكففاً أيدي الناس _ كما حال الكثير من أدعياء الزهد _ بل كان يكسب رزقه بيده حيث كان يعمل في رعي الأغنام ، وهذا من المتواترات التي لا تحتاج إلى إطناب في التدليل عليها ولم عليه الصلاة السلام بالبيان الفعلي ، بل إنه ارشد على الرزق الحلال قولاً حيث قال صلى الله عليه وسلم (( لأن يأخذ أحدكم حبله ، ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع ، فيأكل ، ويتصدق ، خيرٌ له من أن يسأل الناس )) رواه النسائي وابن ماجة من حديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ وصححه الألباني ( انظر صحيح الجامع الصغير حديث رقم 5040) اعتداله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:- كان النبي صلى الله عليه وسلم يامر بالمعروف وينهى عن المنكر باعتدال فلم يكن فظاً غليظاً ولم يكن بارداً متبلد الأحاسيس لا يري الجاني عظيم جرمه وكان يراعي حال المدعو ، فهذا معاوية بن الحكم السلمي لما شمت عاطساً في الصلاة جهلاً منه بعدم مشروعية هذا الفعل ، لم ينهره النبي صلى الله عليه وسلم بل وجهه بكل لطف بقوله (( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ! إنما هي التسبيح والتكبير والتهليل )) رواه مسلم في صحيحه ( 2/70_72) وانظر تخريجه مطولاً في إرواء الغليل حديث رقم (390) ومع ذلك قال للصحابي الفقيه معاذ بن جبل عندما أطال الصلاة في قومه حتى اشتكى أحدهم من ذلك (( أفتانٌ انت يا معاذ )) متفق عليه فدل ذلك على مراعاته لحال المعدو والأمر الذي يدعو إليه اعتدال النبي صلى الله عليه وسلم في الوعظ :- ثبت عن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ أنه قال (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة منا )) رواه مسلم (2821) قال مقيده : في هذا مراعاةٌ للنفوس البشرية الملولة فلم يكن يعظهم كل يوم بحيث يعرضهم للضجر ولم يكن يتركهم بلا موعظة فتقسوا قلوبهم اعتدال النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة أزواجه :- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يظهر تفضيل إحدى زوجاته على الأخرى في المعاملة بحيث يعطيها أكثر من مثيلاتها وإذا كان لا بد من تقديم إحداهن على الأخرى فإنه لم يكن ينتقي بالتشهي بل إنه كان يقرع بينهن قال عائشة _ رضي الله عنها _ (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً ، أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج معها )) رواه البخاري ( 2593) اعتداله صلى الله عليه وسلم في استخدام الماء :- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مفرطاً _ بكسر الراء وتخفيفها _ ولا مفرطاً _ بتشديد الراء المخفوضة _ في استخدام ما يكفيه دون إسراف قال أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ (( كان _ يعني النبي صلى الله عليه وسلم _ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد )) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني وتوسع في تخريجه في إرواء الغليل (139) اعتداله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الخدم :- مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ خادماً وهو أنس بن مالك ، على أنه كان عليه الصلاة والسلام (( يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه )) رواه أحمد في المسند (6/256) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (671) اعتداله صلى الله عليه وسلم في معاتبة اصحابه :- كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك اصحابه معاتبة وتوجيه على أنه عند المعاتبة كان يستخدم ألطف في المعاتبة قال انس _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان يقول عند المعاتبة ترب جبينه )) رواه البخاري قال المناوي في فيض القدير (5/289) (( ماله ترب جبينه يحتمل كونه خر لوجهه فأصاب التراب جبينه وكونه دعاء له بالعبادة والأول أولى )) اعتداله صلى الله عليه وسلم في مشيته :- قال ابن عباس _ رضي الله عنهما _ واصفاً مشية النبي صلى الله عليه وسلم _ (( كان يمشي مشياً يعرف فيه أنه ليس بعاجزٍ ولا كسلان )) رواه المخلص في الفوائد المنتقاة وحسنه الألباني وتوسع في تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2140) والإحالة السابقة من الشيخ الألباني قال مقيده : ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مختالاً فخوراً وهو الذي أنزل عليه قوله تعالى (( ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور)) ( لقمان : 18) اعتداله صلى الله عليه وسلم في الضحك والتبسم :- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ضحكاً يصل على حد إسقاط الهيبة ولم يكن مقطب الجبين بل كان يتبسم ويضحك حتى تبدو نواجذه قال جابر بن سمرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان لا يضحك إلا تبسماً )) رواه الترمذي وصححه الألباني ( صحيح 4861) ولا يعارض هذا ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحك ، فقد روى البخاري أن رجلاً يقال له عبدالله وكان يلقب بحمارة وكان مضحك النبي صلى الله عليه وسلم
قال المناوي في فيض القدير ( 5/227) (( وأطلق النفي _ يعني جابر بن سمرة _ مع ثبوت أنه ضحك حتى بدت نواجذه إلحاقاً للقليل بالعدم أو مبالغة أو أراد أغلب أحواله لرواية جل ضحكه التبسم )) اعتداله صلى الله عليه وسلم في الممازحة والملاعبة :- كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح ويلاعب ولكن لا يتعدى به ذلك إلى قول غير الحق . فمن ممازحاته صلى الله عليه وسلم قوله لأنس (( يا ذا الأذنين )) رواه أحمد في المسند ( 12164) ترقيم طبعة الرسالة والترمذي في (1992) _ وهذه الإحالة مستفادة من محققي المسند _ وغيرهم كثير وللوقوف على المزيد من ممازحاته صلى الله عليه وسلم رجع كتاب ( هذا الحبيب يا محب ) للشيخ الجزائري (547_549) ومن ملاعباته ما نقله أنس بن مالك(( من أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول : يا زوينب ! يا زوينب مراراً )) رواه الضياء المقدسي في المختارة (2/45) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2141) والإحالة السابقة مستفادة منه _ رحمه الله _ اعتداله صلى الله عليه وسلم في كلامه :- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم متقعراً ولا متشدقاً بحيث لا يفهم ، وهذا يدركه كل من قضى عمراً مع أنفاسه الطاهرة صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يكن يختصر الكلام اختصاراً مخلاً ، بل إنه أوتي جوامع الكلم كما أخبر هو عن نفسه حيث قال (( أعطيت فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه )) رواه أبو يعلى في مسنده (4/1737) وصححه الشيخ الألباني وتوع في تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1483) والإحالة السابقة مستفادة منه بل إنه عليه الصلاة السلام كان يعيد الكلمة ثلاثاً حتى تعقل عنه قال أنس _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه )) رواه الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني في صحيح الجامع (4990) اعتداله صلى الله عليه وسلم في تواضعه :- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم من المتواترات التي يصاب الباحث بالعي وهو يحصي أدلتها _وأنى له ذلك _ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (( آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس )) أخرجه ابن سعد (1/371) وصححه الألباني وتوسع في تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (544) والإحالة السابقة مستفادة من الشيخ الألباني وكان صلى الله عليه وسلم يردف معاذاً معه على حمار كما روى ذلك البخاري ( 4/84) ومسلم (1/58) ولم يكن يمنعه تواضعه الجم صلى الله عليه وسلم من تعريف الناس بما له من المقام الرفيع قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة . وأول من ينشق عنه القبر . وأول شافع وأول مشفع )) رواه مسلم
???? زائر
موضوع: رد: إعتدال النبي صلى الله عليه وسلم الأربعاء أغسطس 17, 2011 5:54 pm
كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ ..
وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ ..
دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي
???? زائر
موضوع: رد: إعتدال النبي صلى الله عليه وسلم الإثنين أغسطس 22, 2011 3:28 am
تسلمي يا قمر ع الموضوع الرائع
???? زائر
موضوع: رد: إعتدال النبي صلى الله عليه وسلم الإثنين أغسطس 22, 2011 5:56 pm